تراثنا الشعبي العربي وحكاياته المثيرة وأساطيره الجميلة ، هي أفضل ما يمكننا أن نسمعه أو نقرؤه ، ففي كل مرة نستمع فيها إلى قصة قصيرة من تراثنا ، قد نعرف بها كيف بدأت تلك الأسطورة أو سر تسميتها ، وأسطورتنا هي أشبه برواية عن سبب تسمية قوس قزح بهذا الاسم ، ولكنها تعرف في الجزائر الشقيق باسم عروس الغيث أو المطر .
بالذهاب إلى منطقة الأوراس في الجزائر الشقيق ، حيث نرى الخضرة تكسو المكان بأكمله ، ولدت قصة عروس الغيث ، حيث كان السكان المحليون في تلك المنطقة يؤمنون بوجود الآلهة ، مثلهم مثل الكثير من الحضارات القديمة مثل الإغريق على سبيل المثال ، ومن أشهر آلهتهم الإله أنزار ، وهو الإله المسئول عن الرعد والمطر وتسيير السحاب .
وكان سر اهتمام القدماء في تلك المنطقة بهذا الإله تحديدًا ، نظرًا لأنه كان في اعتقادهم سبب الجمال والخضرة ، فهو المسئول عن هطول الأمطار التي تروي زروعهم ، وتملأ أوديتهم وأنهارهم بالمياه ، فكان دائمًا ما يحظى هذا الإله بصلواتهم كلها آملين منه أن يستجيب لهم .
كانت تعيش في هذه القرية فتاة جميلة للغاية ، كانت تدعى تيسليت ، وكانت بيضاء البشرة وواسعة العينين وممشوقة القوام ، وتمتليء خجلاً يضفي جمالاً فوق جمالها ، وكانت من شدة خجلها يخجل شباب القرية على محادثتها ، حيث اعتبروها ملاكًا قد هبط من السماء لا ينبغي تدنيسه أبدًا .
تلك الفكرة التي أخذت في رأس تيسليت منحى آخر ، ألا وهو حب العزلة والابتعاد عن البشر ، فكان أفضل الأماكن بالنسبة للفتاة هو الجلوس فوق قمم الجبال ، وبين الأنهار حيث يثيرها صوت المياه وهديرها ، فتتجول بداخلها أن تغتسل فيها وهي تغني ، بصوت عذب يطرب له الطير والإنسان ، فأي جمال هذا !
دارت الأيام وابتليت القرية الجميلة ، بالجفاف وعدم هطول الأمطار فجفت الينابيع وتصحرت الأراضي وتبدلت الأحوال ، ولم تفلح دعوات السكان بالقرية لإله المطر قط ، فصعدت تيسليت إلى أعلى قمم الجبال حيث تجلس كانت تجلس بين مياه الأنهار العذبة ، وجلست تغني بشجن باكية حال قريتها الفقيرة ، التي تحول حالها وتبدل من رغد إلى فقر .
لفت غنائها انتباه إله المطر الذي كان يطير بين السحاب ، فنظر إليها ليشاهد جمالها وعفتها ، وشاهد ماضيها الجميل وحاضرها العفيف وخجلها الشديد ، فأعجب بها بشدة وبنقاء قلبها ، فأرسل المطر على القرية وأتى ببعض السحب الجميلة التي فرح بها أهل القرية كثيرًا .
اخضرت القرية مجددًا لسنوات طويلة ، تمتع فيها أهل القرية بالخضار والمياه ، حيث قبع إله المطر في المنطقة التي تجلس في تيسليت ، إلى أنبلغ به الهيام مبلغه وطلب الزواج من تسيليت ، على الرغم من كونه إله ولا يجب أن يقع في حب مخلوق .
قرر الإله الهبوط إلى المكان الذي تجلس فيه تسيليت ، فتحول إلى شاب وسيم فخجلت تيسليت وطالبته بالمغادرة ولكنه أبى ، وظل يزورها يوميًا حتى بدأت تستأنسه ، ولكنه كان متسرعًا فطلبها مرة أخرى للزواج ، ولكنها خافت وهربت ورفضت طلبه .
انزعج إله المطر وغضب من تصرف تسيليت ، التي هربت إلى قريتها ولم تعد تجلس في مكانها المعتاد ، فحمل نفسه وطار بعيدًا عن القرية ، حتى جفت ينابيعها وتصحرت وماتت الزورع ، فما كان من تيسليت إلا أن صعدت إلى مكانها المعتاد ، وبدأت في الغناء في محاولة لعودة إله المطر إليها مرة أخرى ، الذي ما أن سمع صوتها حتى اختطفها لتصعد معه إلى السماء .
وقف أهل القرية ليروا ما يحدث ، حتى بدأت الأمطار في الهطول مجددًا وارتوت الأراضي وامتلأت الأنهار والينابيع ، وتحولت تيسلت إلى قوس قزح الذي يظهر كلما أمطرت السماء ، ليضفي عليها روعة وجمال ، ولهذا عندما تتساقط الأمطار ، يصيح الأشقاء الجزائريون (هاسليث أمنزار) .